أفادت الأمم المتحدة أن واحدًا من كل ثلاث أطفال يتعرضون للتنمر مرة واحدة شهريًا على الأقل حول العالم. وأن نسبة التنمر بين الأطفال في مصر بلغت 70%. بالتالي يعد التنمر ظاهرة منتشرة ولكن وجودها يسبب مشكلة بين الأطفال. ولكن ما أسبابها؟ وكيف نعلم أطفالنا قبول الآخر؟ هذا ما سنتحدث عنه في هذا المقال.
ما معنى التنمر؟
هو عدم قبول للآخرين، وصورة من صور العنف، ويحدث بالعمد وبصورة متكررة وبقوة، ويمكن أن يكون تهديد أو ضرب أو استقصاء أو استهزاء. والأولاد يكونون أكثر عرضه للإيذاء البدني، والبنات تكون أكثر عرضه للإيذاء النفسي.
5 أنواع للتنمر عند الأطفال

- تنمر لفظي: هو كل أذى يحدث عن طريق باللسان. مثل: الألفاظ البذيئة، والسخرية، والتحقير، والتهديد.
- التنمر البدني: هو كل أذى يستخدم فيه عضلات الجسم. مثل الضرب، والركل، والسرقة، واللكم على الوجه، وإتلاف أغراض زملائه.
- ألاعيب نفسية: هي تحدث دون كلام، مثل: نظرات العين السيئة، التربص، والتلاعب بمشاعر الطفل.
- التنمر الاجتماعي: وهو أي فعل بهدف إبعاد الطفل عن المجموعة، مثل: التجاهل، والإهمال، واستبعاده بطريقة متعمدة، ونشر إشاعات عن الطفل لتشويه صورته أمام باقي زملائه.
- التنمر الإلكتروني: مثل السخرية وتهديد زملائه عبر شبكات التواصل الاجتماعي أو الرسائل النصية.
7 أسباب لعدم قبول الآخر عند الأطفال

1. القدوة السلبية
تعني وجود الطفل في بيئة لا تدعم قبول الآخر، ويكون الأبُّ والأم مصدر تنمر للآخرين من أصدقائهم أو عائلاتهم أو أبنائهم أو تنمر الأبوين على بعضهم البعض وكثرة الخلافات بينهم، ويكون الطفل في منزله عرضه للسخرية والتهديد والإهمال من أبويه ويمارس الطفل هذا بشكل لاشعوري مع زملائه في المدرسة وأخوته.
2. قلة الاهتمام بالطفل
عندما يشعر الطفل بالإهمال من أبويه؛ يحاول لفت انتباه الجميع بتصرفات غريبة، منها الأفعال المؤذية لأنها تجعل من حوله يهتمون لأمره ويتحدثون معه.
3. الحاجة إلى السيطرة
ينشئ بعض الأطفال ولديهم حب السيطرة على الغير، ولكن لا يحسنون التصرف ويقومون بإيذاء زملائهم في المدرسة وأخواتهم في البيت حتى يشعر بالقوة عليهم.
4. تخويف الطفل
عندما يشعر الطفل بعدم الأمان في المنزل ويقوم أبويه بتخويفه بالتهديد أو الضرب، فإنه يقوم بهذا الفعل مع زملائه حتي لا يشعر بالضعف، فيصبح شخص همجي حتى لا يستضعفه غيره.
5. عدم فهم الاختلاف وقبول الآخر
أحياناً لا يفهم طفل معنى الاختلافات بينه وبين الآخرين وأن هذا شيء طبيعي مثل اللون والشكل والجنسية والديانة، فيحاول إيذاء المختلفين عنه بالسخرية والتحقير أو الضرب أو استبعادهم من المجموعة.
6. لا يدركون الأثر
لا يتفهمون أثر عدوانيتهم على الآخرين من مشاعر أليمة، وأحيانًا يفعلون ذلك بهدف المزاح ولا يستطيعون التفرقة بين المزاح والتنمر، لذا لا يقدرون على التعاطف مع الآخرين وكف الإيذاء عنهم.
7. تفريغ مشاعره
يعبر عن غضبه بشكل عدواني تجاه الآخرين بالضرب أو الشتم أو السخرية، ولا يستطيع التحكم في غضبه سواء مع عائلته أو زملائه؛ مما يترتب عليه أنه يكون طفل منبوذ ممن حوله.
11 خطوة لتعليم الطفل المتنمر قبول الآخر
يُعرف قبول الآخر acceptance of the other في علم النفس على أنه التعرف على عملية أو حالة (غالبًا ما تكون موقفًا سلبيًا أو غير مريح) دون محاولة تغييرها أو الاعتراض عليها.
ولا تعني موافقة الشيء agree، ولكن تعني القبول والتواصل دون التحيز لهذا الشيء أو محاولة تغييره . المهم ألا يكون هذا الشيء مخالف لشريعتنا الدينية والفطرة السوية.

1. مساعدة الطفل على قبول ذاته
يبدأ قبول الأخر من قبول ذواتنا أولًا، بكل مميزاتها وعيوبها، ويحدث ذلك بواسطة التحدث مع الطفل عن صفاته وإمكانياته حتى تعثراته، ولكن نطمئنه أن لديه صفات أخرى مميز فيها يمكنه استثمارها ولا يوجد شخص كامل. والتحدث عن جسده و أنه هبة من الله وسلامة جسده وحواسه نعمه نشكر الله عليها، ونعلمهم أنهم يسعون للتطوير والتحسن من أجل أنفسهم، وليس من أجل إعجاب الآخرين أو التفاخر والكبر.
2. راقب سلوكك أمامه
يراقب ابنك كل أفعالك ليتعلم منك كيف يتصرف ويتعامل مع المواقف والآخرين، وحُكمك على الناس ومدي قبولك لهم يلاحظه ويقلده، مثلًا: إذا قلت “لا أحب هذا الشخص لأن مظهره غير جيد ولا أريد التعامل معه” سيفعل ابنك ما قولته تمامًا ولا يحب هذا الشخص وأي شخص مثله ولا يتقبله، وقس على ذلك أي شخص به عيبًا سيتعامل معه ابنك من هذا المنطلق، فاحرص أن تكون أمامه قدوة في تقبل الآخرين وكلامك يكون حسن بالقدر الكافي.
3. استمع لحديث طفلك
في أثناء حديث الطفل عن يومه ستجده يتحدث عن زميله أو شخص غريب لاحظ فيه شيء مختلف، مثلًا: يجلس طفل على كرسي متحرك، أو طفل لا يتحدث بطريقة صحيحة، عالج الأمر فورًا إذا كان يتحدث بسخرية عن الغير.
ذكره أن لكل شخص منّا تعثرات وأعطاه الله أيضاً أشياء مميزة، وكل شخص منّا له سرعة مختلفة في عمل الأشياء، ويمكن أن يكون نفس الشخص سريع وجيد في شيء معين يبطئ السرعة في شيء آخر، فهذا لا يعني أن نسخر من هذا شخص ولكن يمكننا أن ندعمه في نقاط ضعفه ونذكره بنقاط قوته. وصحح الصور النمطية لدى طفلك عن العالم بواسطة الاستماع الجيد والمعالجة الفورية للموقف السلبي ولا تؤجلها لوقت آخر.
4. استراتيجية السؤال والجواب
يستكشف الطفل العالم من حوله عن طريق الأسئلة، فمثلًا يمكن أن يرى حالات غير شائعة ويسأل عنها، ممكن أن يرى طفل مثله لا يستطيع التحرك تمامًا ولا يستطيع الأكل أو حالات، مثل: داون. ويسأل عن اختلاف الشكل، وهنا لابد أن نجيب الطفل عن الحالات المرضية أو الإعاقات لهؤلاء الأفراد، وإن لم تعرف معلومات كثيرة عنها اطلب منه أن تتعاونوا على البحث عن هذه المعلومات، وابحث معه وشجعه يسأل وأجيبه عن سؤاله، حتى يتكون عنده مفاهيم جديدة تساعده في قبول الآخر والمختلفين عنه.
5. دائرة الاختلاف
جلوس الأسرة على شكل دائرة والحديث عن أن كل فرد من أفراد الأسرة مختلف عن الثاني في الشكل والمظهر وطريقة التفاعل والتعلم، وهنا يبدأ كل شخص بالحديث عن نفسه من الصفات المختلفة، مثلًا: أنا شعري مجعد ولوني أبيض وأحب أكل السمك، وأخر أنا أرتدي نظارة لأني لا أرى جيدًا من دونها، وأحب الأماكن المرتفعة، ولا أجيد الطهي. وهكذا …
ونتحدث أنه على الرغم من وجود عيوب وتعثرات واختلافات في كل واحد من أفراد الأسرة إلا أننا متحابين ونعيش في بيت واحد ونقبل بعضنا البعض، والتحدث أيضًا عن وجود ناس كثيرة تتحدث بلغات مختلفة عن بعضها أو يفقدون حاسة من حواسهم ولكنهم مميزين في أشياء أخرى وهذا شيء طبيعي ويجعل الحياة أكثر تكاملًا وتميزًا.
6. تعليم الطفل التعاطف
يتعلم الطفل المتنمر معنى التعاطف بواسطة حكي قصص عن أطفال تعرضوا للتنمر والسخرية، وماذا شعروا؟ وكيف تأذوا من أفعال غيرهم؟ ونسأله ماذا تشعر لو كنت مكان الطفل الضحية؟ وماذا يجب أن يفعلوا الأطفال المتنمرين؟ وتشجيع الطفل على تكوين صداقات مع من لديهم بعض الصفات المختلفة عنهم، وعدم شعورهم بالنبذ أو السخرية، بل لابد من التعاطف معهم والاتصال بهم، وتعويدهم على أن يفكروا في تأثير الكلمة ورد الفعل على الآخرين قبل فعل أي شيء يؤذيهم، وما الرد الفعل الذي يتمنونه من حولهم؟
ووفقاً لنظرية الاتصال Thomas Pettigrew، “التعاطف هو أفضل وسيلة لتحسين العلاقات بين الأشخاص المختلفين والتقليل من تكوين الصور النمطية الضارة”.
7. النبي قدوة
تحكي للطفل قصص عن النبي وكيف كان يحرص على عدم إيذاء الآخرين. والقصة لها أثر كبير في تغير سلوك الطفل، ومن خلالها ممكن تجعله يدرك المواقف وشعور الآخرين ليدرك أثر سلوكه ويغيره، وتسأله ماذا لو كنت مكان ضحية المتنمر، وما هو رد فعلك وشعورك؟ وتعلمه كيف يفكر في هذه المواقف ويتعامل مع مشاعر الآخرين.
والامتثال بخلق النبي صلى الله عليه وسلم من التسامح والتعاطف ومراعاة مشاعر الآخرين وعدم إيذائهم واستغلال نقاط ضعفهم، ويدل على ذلك عندما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عكرمة بن أبي جهل يأتي من بعيد أوصى الصحابة ألا يذكروا أباه بسوء، حيث قال: “يَأْتِيكُمْ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ مُؤْمِنًا مُهَاجِرًا، فَلا تَسُبُّوا أَبَاهُ، فَإِنَّ سَبَّ الْمَيِّتِ يُؤْذِي الْحَيَّ، وَلا يَبْلُغُ الْمَيِّتَ”.
8. الأرضية المشتركة مع الطفل
ما يساعد الناس في تطوير علاقاتهم ببعضهم البعض هو وجود صفات مشتركة بينهم، علم طفلك كيف يكتشف شيء مشترك بينه وبين الآخرين حتى يستطيع التواصل معهم بشكل أفضل وهذا يساعده على قبول الآخر مهما كان مختلفًا عنه.
9. كيفية التعامل مع أفكاره عن الآخرين
إذا كان طفلك في عمر 12 سنة يمكنك تعليمه هذه الطريقة للتعامل مع أفكاره عن الآخرين، طريقة تسمى(عمل بايرون كاتي):وهي بعض الأسئلة التي يسألها الطفل لنفسه عندما يقابل أفراد مختلفين عنه.
أي عندما يرى شيئاً مختلفاً عنه ويصدر حكم على الشخص، يمكنه إحضار ورقة وقلم وكتابة هذه الأسئلة والإجابة عليها. ثم تبدأ مرحلة تحويل الفكرة.
الأسئلة:
ضع فكرة في رأسك عن أحد زملائك، مثلاً: (زميلي فاشل) ثم أجب عن هذه الأسئلة :
- هل هذه الفكرة صحيحة؟
- هل يمكنك أن تعرف تمامًا أن هذه الفكرة صحيحة؟
- كيف تتصرف ، ماذا يحدث عندما تؤمن بهذا الفكر؟
- من ستكون دون تلك الفكرة؟
ستساعدك هذه الطريقة على تحليل أفكار طفلك قبل أي رد فعل يصدر منه وكيف يتعامل مع هذه الأفكار.
10. الامتثال بأمور الدين
نعرف الطفل أنه ليس من أخلاق ديننا السخرية من الآخرين وسبهم، بل يفقد المسلم إيمانه بتلك الأفعال.عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله ﷺ: “ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء”، رواه الترمذي، وقال: حديث حسن.
وقال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ الحجرات: 11.
ونشرح له تفسير الآية الكريمة وتذكيره أن الظلم عقوبته عذاب أليم يحرمه من رضا الله ودخول الجنة وعدم كسب محبة الناس له، ويجب التوبة والاعتذار للآخرين عما بدا منه.
11. كافئه في الصغر على قبول الآخرين
إذا كان طفلك المتنمر صغيرًا ممكن أن تكافئه بالكلمات التشجيعية والمكافآت المادية البسيطة إذا كف عن إيذاء الآخرين، ولكن لا تعوده على المكافآت المادية حتى لا يفعل ذلك من أجلها.
لكي يكف ابنك عن التنمر، يجب أن تكون قدوة له في أفعالك تجاه الناس من حولك، ويكون تعاملك أنت معه بلطف والكلام الطيب، وقبول الآخر يبدأ من قبول الآباء لذواتهم ثم أبنائهم ثم العالم من حولهم.