من المؤكد أنك سمعت عن العالم عباس بن فرناس ذات مرة، إن لم يكن في الرياضيات أو الفلك أو الكيمياء فمؤكد في الشعر، وإلا ففي محاولته في الطيران كأول إنسان يحاكي الطيور. ألهمت تجربته كثير من العلماء أن يفعلوا مثله ومن تجربتهم يحاولون صنع ما يسهل على الناس نظرة الطائر (أن تنظر للأرض بمنظور طائر يطير في السماء).
بالفعل كانت هذه التجربة وميض لبدء رحلة التصوير والطيران عامة، والتصوير الجوي بشكل خاص. في هذا المقال سنتحدث عن تاريخ التصوير الجوي وأهميته.
ما هو التصوير الجوي؟ وما هي المراحل التي مر بها؟
يمكننا الآن تخمين ماهية التصوير الجوي، حيث نقوم بالتقاط صور متعددة لسطح الأرض دون التواجد على سطح الأرض. يمكننا التقاط هذه الصور ونحن في منطاد أو في طائرة أو بكاميرا مثبتة على سطح قمر صناعي. عبر التصوير الجوي مراحل عديدة، وهذه نبذة عن تلك المراحل:
1. مرحلة المنطاد الساخن
بهذه الكيفيات السابق ذكرها في التعريف، بدأ العلماء تجربة التقاط الصور منذ عام 1855م، حيث كانت أول تجربة في منطاد هواء ساخن على 80 متر فوق سطح الأرض، وهي لقطة لقرية بيتي بيستر الفرنسية؛ نظرًا لأن أول تجربة حدثت في فرنسا.
لم يكن الأمر سهلًا، فقد استغرق ثلاث سنوات لأخذ أول صورة فقط بهذه الكيفية. لم تكن صعوبة المنطاد فقط في تحركه واهتزازه المستمر مع الهواء، وصعوبة الحركة داخل المنطاد على ارتفاع مثل هذا.
فقد كانت التجربة تحتاج لغرفة كاملة مظلمة داخل البالون المربوط الطائر، حيث أن عهد التصوير الفوتوغرافي عمومًا لم يكن تطور بعد، وهذا شبه مستحيل. ولكن تطور هذا الوضع بتطوير الفوتوغرافي والإضاءات، وكيفية التعامل مع معدات التصوير ككل.
لم تعد أول صورة ملتقطة موجودة، وهذا لسوء الحظ فقد ضاعت بعد قضاء ثلاث سنوات في التقاطها، ولكن الموجود بدلًا منها هي صورة تم التقاطها عام 1860م.
2. محاولات الطائرة الورقية
تبع هذه المحاولات محاولة جديدة بدأت في عام 1882م، وكانت باستخدام الطائرات الورقية، سواء استخدامها مفردة، أو سلاسل من الطائرات مع ربط الكاميرا في آخر طائرة.
حيث يتم ضبط فتيل موقوت عند احتراقه ببطء تؤخذ اللقطة، وكان يضبط بعد عدة لحظات من طيران الطائرة الورقية، وكانت أول صورة التقطت بهذه الطريقة عام 1888م.
3. محاولة الحمام
لم تتوقف التجارب عند هذا الحد، فقد تطورت معدات التصوير وأصبحت الكاميرا تأخذ عدة لقطات، فباتت التجربة الجديدة هي تثبيت الكاميرا في صدور الحمام، لأخذ عدة لقطات من ارتفاعات عالية.
لكن ظهر عيب جلي في هذه الطريقة، وهو ظهور أجنحة الحمام على أطراف الصورة، واهتزاز الصورة بشكل كبير، وعيب آخر أن الحمام يتجول في السماء بلا حساب فلم يكن مساره موثوقًا.
وكانت هنالك نية خفية في تجربة الحمام هي إخفاء الكاميرا في الحمام، لتصوير مناطق عسكرية صعبة الوصول.
4. محاولة الصواريخ الجوية
تطور العالم وتم صنع الصواريخ، والتقط العالم ألفريد نوبل صورة جوية من كاميرا مثبتة على صاروخ في عام 1897م، ولكن مع مرور الوقت، أثبتت الطائرات فاعليتها في التصوير أكثر من الصواريخ.
5. تجربة الطائرات
في عام 1909م كانت أول صورة جوية من على متن طائرة، حيث كان يتم إنتاج خرائط لمناطق المعارك والحروب من الصور الملتقطة.
أهمية التصوير الجوي
إلى هنا فأغراض التصوير الجوي كانت عسكرية، حتى انتهت الحرب العالمية الأولى، وأصبح للتصوير الجوي أهميات مختلفة وعديدة. تشمل أهمية التصوير الجوي نقاط عديدة:
- الإعمار والتنمية بعد دمار الحروب
بدأ استخدام التصوير الجوي لإعادة الإعمار والتنمية بعد الحرب العالمية الثانية، فقد كُلف المخططون بإعادة تعمير وبناء المناطق التي دمرت في أوروبا واليابان والولايات المتحدة واستراليا.
- إتمام إجراءات التعداد السكاني
استخدمت أفريقيا التصوير الجوي في رصد البنايات ومنه استنتاج عدد السكان تقريبيًا. كما استخدمته أيضًا في رصد المستوطنات العشوائية غير المخططة على أطراف المدن، ومن هذا المنطلق استخدمته أمريكا اللاتينية وآسيا.
- رسم الخرائط الطوبوغرافية
من أهم تطبيقات التصوير الجوي وأهمياته، هي رسم الخرائط الطوبوغرافية والتفصيلية المختلفة والتي تجعله أداة في العديد من المجالات. حيث يستخدم في الزراعة لحصر المناطق المزروعة وتحديد المحاصيل المختلفة وتحديد النبات الصحيح من النبات المريضة، في حال استخدام الأشعة تحت الحمراء في التصوير.
- تقسيم الترب
يتم تقسيم الترب إلى أنواع مختلفة وعمل خرائط توضح الأنواع المختلفة للتربة والتراكيب الجيولوجية.
- البيئة
يتم مراقبة التلوث البيئي وانتشار الكوارث مثل الفيضانات وحرائق الغابات وتحديد المناطق التالفة التي نتجت عن هذه الكوارث.
- الهندسة المدنية
يتم تخطيط المشروعات الهندسية ومنه اختيار أنسب المواقع لتوقيع خدمة معينة وتوضيح استخدامات الأراضي في هذه المناطق.
- النقل
تحديد شبكات النقل والمواصلات وتحديد الجسور والأنفاق والسكك الحديدية، ومنه تحديد أنسب مواقع توقيع شبكات جديدة.
مميزات التصوير الجوي
توجد العديد من المميزات في التصوير الجوي، ذكرنا بعضها بالفعل في سياق الكلام وسوف نعرض بعض منها في هذا الجزء. يمكن تضمين مميزات التصوير الجوي في النقاط التالية:
- التصوير الجوي يغطي مساحات كبيرة بدقة عالية من سطح الأرض، ومنه يتم رسم الخرائط رقميًا بطريقة أسهل وأرخص من أي طريقة أخرى.
- تصوير بعض المعالم بصورة ثلاثية الأبعاد، ومنه أيضًا يتم رسم الخرائط بطريقة أسهل وأكثر دقة ووضوح.
- يمكن إجراء القياسات المختلفة على الصور الجوية لاستخراج أبعاد دقيقة، وهذا بسبب دقتها الكبيرة في تصوير المنطقة، واحتوائها على مقياس رسم محدد.
- توفير واختصار الوقت والمجهود لمعرفة معالم مكان غامض بمساعدة التفسير البصري، مقارنة بالمسح الميداني وحمل الآلات ومشقة السفر والعمل أيام متواصلة.
- متابعة التغيرات الطبيعية المختلفة للظواهر الكونية، مثل متابعة الكثبان الرملية ومتابعة ظاهرة التصحر والجفاف والفيضانات وغيرها من الظواهر الطبيعية.
في النهاية يجب التأكيد أن التصوير الجوي أحد ركائز العلم الحديث، خاصة الاستشعار عن بُعد وله مميزاته الخاصة التي تساعدنا في التطور والتقدم وفي خدمة الخطط الدولية والقومية، ولا شك أن التصوير الجوي لا زال في تطور، فإلى أين سيصل؟ هذا ما سنعرفه في المستقبل.