عفوًا، أنت لست غبيًا كما قد تعتقد!

الشتائم تنهال عليك من كل ناحية، أنت غبي! لا تعرف بماذا تجيب، لا تشعر أنّك هكذا، لكنك تجدهم يصممون من حولك على هذا الأمر، تريد أن تسألهم عن السبب في وصفهم، عن المقياس المستخدم لتحديد اكتسابك لهذه الصفة، لكنّهم يتعاملون مع الأمر على أنّه حقيقة مدعومة بالأدلة، فيكررون كلمتهم من حين لآخر، لدرجة أن الصفة تبدأ في التغلغل بداخلك، فتعتقد أنت أيضًا في صحتها. عفوًا يا صديقي، أنت لست غبيًا كما قد تعتقد! بل ربما أنت لست غبيًا على الإطلاق.

ما بين الذكاء والغباء.. ما هو مقياس الحكم؟

لم أكتب هذا المقال لأحدثك عن كلامٍ تحفيزيّ أحاول من خلاله نفيّ صفة الغباء عنك، ثم تعود مرة أخرى لتصطدم بالواقع، لكنني اليوم أريد أن أتحدث عن الموضوع بصورة أكثر عملية.

مسألة الذكاء تحديدًا من المسائل التي تدفعنا إلى التساؤل حول إن كان يوجد هناك تعريف واضح للذكاء، والإجابة هي أنّه توجد تعريفات كثيرة، لكن رغم ذلك فإنّ الاتّفاق على تعريف محدد يعتبر شيئًا مثيرًا للجدل فيما بين العلماء.

وبناءً على ذلك، فإنّه سيكون لدينا سؤالًا آخر لنطرحه هنا: ما هو المقياس الذي يمكن من خلاله الحكم على أنّ الشخص ذكي أو غبي؟ قد تكون الإجابة هي “اختبارات الذكاء” المشهورة، لكن حتى هذه لم يتفق عليها العلماء على أنّها الوسيلة الأنسب لفعل ذلك، نظرًا لأنّ النظريات الحديثة في موضوع الذكاء توضح وجود العديد من الأنواع والتصنيفات للذكاء، وبالتالي من الصعب على هذه الاختبارات أن تحدد لك بدقة نسبة الذكاء في كل المجالات.

لا أطالبك بأن تضرب بهذه الاختبارات عرض الحائط، وأن تقف لتقول: أنا لست غبيًا. لكنني أحاول أن أجعلك ترى الأمر من منظور مختلف، وألّا تتعامل مع هذا الموضوع بصورة مطلقة، إمّا ذكي أو غبي، أبيض أو أسود، فهناك العديد من الألوان في هذا الموضوع.

واحدة من النظريات التي تفسر الذكاء وتشرح أنواعه هي نظرية “الذكاءات المتعددة” لعالم النفس الأمريكي “هاورد غاردنر” التي قدمها في كتابه الذي يحمل نفس الاسم في عام 1983، مقسّمًا فيها الذكاء إلى ثمانية أنواع مختلفة.

نظرية الذكاءات المتعددة

كما ذكرت، قسّم هاورد الذكاء إلى ثمانية أنواع مختلفة كالتالي:

1- الذكاء اللغوي: ويعني القدرة على استخدام اللغة بأفضل صورة ممكنة، وصياغة الجمل المناسبة في الحديث أو الكتابة.

2- الذكاء الرياضي – المنطقي: ويجيد أصحاب هذا النوع من الذكاء حل المشكلات والتعامل مع الأمور بمنطقية، كما يمتلكون قدرة على التعامل مع الأرقام.

3- الذكاء الذاتي: ويتمثل في قدرة الشخص على فهم ذاته بأفضل صورة ممكنة، والتخطيط الشخصي الجيد لنفسه، وإدراك مشاعره بشكل سليم.

4- الذكاء الاجتماعي: هو الذكاء المختص بمعرفة الآخرين، والقدرة على فهم شخصياتهم والتعامل معها بسهولة دون أي مشكلة.

5- الذكاء الموسيقي: ويظهر في القدرة على تمييز الأصوات والألحان بسهولة، والقدرة على تقليدها دون عناء.

6- الذكاء البصري: وهو النوع الذي يركز على قدرة الشخص على إدراك الصور ومعرفة الألوان وتقدير المسافات بصورة صحيحة.

7- الذكاء الحركي – البدني: وهو النوع الذي يركز على استخدام الشخص لجسده وإمكانياته البدنية والتحكم في عضلاته لفعل ما يريد، كالرياضيين.

8- الذكاء الطبيعي: وهو الذي يتمثل في نجاح الشخص في فهم مع الطبيعة من حوله، والتعامل مع الحيوانات أو النباتات.

حسنًا.. ما هو نوع الذكاء الذي أملكه؟

دعني أخبرك في البداية أنّ هذه النظرية تعرضت للنقد بالتأكيد، كحال أي نظرية تحاول تفسير العلم، فبهذه الطريقة تتطور المعرفة في طريق الوصول إلى الحقيقة.

لكن تبقى نظرية الذكاءات المتعددة من أهم النظريات التي تتحدث عن الذكاء، وتوضح بأنّه لا يوجد جانب واحد في تفسير إن كان الإنسان ذكيًا أو لا، فتجعلنا نتمهل قبل الحديث في هذه النقطة.

ما هو الذكاء الذي تملكه؟ يمكنك أن تقيّم ذاتك في الأنواع الثمانية التي ذكرتها في الفقرة الماضية، وتحدد لنفسك ماذا تملك منها وما هي درجة إجادتك لكل نوع بالضبط.

فالأهم أن تدرك أيضًا أنّ الذكاء كأي شيء آخر تملكه، يمكنك أن تعمل على تطويره مع الوقت، من خلال مجموعة من الأنشطة التي تمارسها، فالممارسة هي الشيء الذي يحتاجه عقلك ليظل على عمله بكفاءة طوال الوقت، وبالتالي تزداد درجة الذكاء لديك.

أكرر ما ذكرته في بداية مقالي، أنت لست غبيًا كما قد تعتقد، فكّر جيدًا في نوع الذكاء الذي تملكه، واحرص دائمًا على تطويره، واعمل على اكتساب الأنواع الأخرى الموجودة. هذا أفضل شيء تقدمه لنفسك ردًا  على من حولك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *