دليلك الشامل للتعافي من الإساءات الأبوية

يحكي أحد الأصدقاء أنه كان يتعرض لإساءات كثيرة من أبويه بسبب اتباع طرق التربية القاسية، وقرر عندما يتزوج وينجب أطفالًا، أنه سيتعامل بطرق عكس طريقة تربية أبويه له، ولكن اكتشف أنه يعامل أطفاله بشكل تلقائي بنفس الطريقة التي كان يتبعها أبويه، ومهما حاول أنه يغير من أسلوبه يجد نفسه أغلب الأحيان يتصرف بنفس الطريقة القاسية التي كان يعانيها في صغره، أيقن أنه لابد من التعافي الإساءات الأبوية أولًا وتعلم أنماط سلوكيات صحيحة حتى لا يضع عائلته في نفس معاناته السابقة.

6 أنواع للإساءات الأبوية

ما هي الإساءات الأبوية؟وما هي أنواعها؟

تعرفها منظمة الصحة العالمية (WHO): أنها جميع أشكال العنف والإهمال التي توجه إلى الأطفال دون سن 18 عامًا، ويحدث بشكل متعمد  من قبل الوالدين لإيذاء الطفل، سواء نفسيًا أو جسديًا أو جنسيًا …

 1. الإساءة الجسدية

هي أي ضرر يلحق بصحة الطفل الجسدية. ويتمثل في: الضرب، اللكم على الوجه، الركل، الحرق، الخنق، القرص، الشد، العض وابتلاع أشياء غير صحية بالإجبار، مثل: التوابل الحارة أو بودرة سامة.

 2. الإساءة النفسية

وهي تتمثل في7 ألاعيب نفسية:

  • الغضب الحاد الذي بفزع الطفل ويصدمه، ويتمثل في: الصراخ في وجه الطفل بطريقة حادة وتكسير الأشياء من حوله.
  • إسقاط فعل الوالد على الطفل، وهي حيلة نفسية لتخفيف توتر الوالد ويهيأ لطفله أنه هو الذي يفعل كل ذلك.
  • تحريف الحقيقة للوم الطفل وشعوره بالذنب.
  • التجاهل والإهمال لفترات طويلة.
  • تحديق النظر والاستحقار للطفل.
  • النقد القاسي لأفعال الطفل وإهانته وشعوره بأنه منبوذ.
  • تخويف الطفل وترهيبه وعزله بعيدًا عنهم.

 3. الإساءات الأبوية اللفظية

وهي تتمثل في: النقد، مقاطعة الطفل أثناء الحديث، التقليل من آراء الطفل والاستهزاء به، نداء الطفل بأسماء منبوذة، شتم الطفل بألفاظ بذيئة، اتهام الطفل بالحساسية الشديدة من سوء تصرفاتهم، استجواب وتهديد الطفل عند حدوث سلوك خطأ.

 4. الإساءات الأبوية الجنسية

ملامسة أعضاء الطفل التناسلية بشكل غير لائق، تعريض الطفل لمواد إباحية من قبل الوالدين، التحرش بالطفل أو اغتصابه بالفعل من قبل أحد الوالدين، استخدام الطفل لإنتاج مواد إباحية، إجبار الآباء على مشاهدة أطفالهم للأعضاء التناسلية.

 5. الإهمال

ويتمثل في إهمال الاحتياجات الفسيولوجية والأساسية للطفل، منها: إهمال غذاء الطفل وتوفير مأوى له، إهمال رعاية الطفل ونظافته، تجاهل سلوكيات الطفل وعدم توجيهه ودعمه وتشجيعه، عدم توفير الرعاية الطبية اللازمة للطفل، إهمال تعليم الطفل وعدم توفير الأمان اللازم له والعطف والحنان.

 6. الاعتداءات المالية

سرقة مال الطفل، أو التعامل معه ببخل شديد في توفير احتياجاته، إجباره على ترك ماله حتي لا يتصرف فيه كما يشاء، فرض تحكمات الأب أو الأم على أين ومتى يصرف الطفل ماله. كل هذه الإساءات تسبب له حالة من القلق والإزعاج.

ويمكنك معرفة المزيد عن الإساءات الأبوية بواسطة هذا المقال: أنواع الإساءات الأبوية

عواقب الإساءات الأبوية على الأطفال

تنتج عن الإساءات الأبوية أعراض مرضية سواء نفسية، أو اجتماعية، أو بدنية، وتختلف درجة الأعراض باختلاف درجة الإساءة ونوعها، وتتأثر أيضًا بالمدة التي تم تجاهل هذه الأعراض فيها إلى بدء المعالجة. وتتمثل الأعراض في:

1.  الإساءات الأبوية الجسدية 

 أشارت أليس ميللر عالمة النفس أن: الإساءات الأبوية الجسدية تتسبب في عواقب غير مرئية، مثل: 

اضطرابات الفصام، والاكتئاب، والقلق، والتفكير في الانتحار، واضطرابات الأكل، واضطرابات تعاطي المخدرات، والعدوان. وممكن أن تؤدي إلى اضطرابات ما بعد الصدمة واضطرابات الشخصية، كما تؤثر على مستوى تعليم الطفل وتسبب له صعوبات تعلم وتشتت انتباه وصعوبات في اللغة والكلام.

2. الإساءات الأبوية الجنسية

يسبب  الاعتداء الجنسي على الطفل في أعراض جسدية وأعراض نفسية. الأعراض الجسدية تتمثل في كدمات أو جروح 

في بعض المناطق في الجسم، أو ظهور دم في الملابس الداخلية للطفل والشعور بألم مزمن.

والأعراض النفسية تتمثل في: الشعور بالذنب ولوم الذات، الكوابيس، الأرق، العجز الجنسي، إيداء الذات مثل قرض الأظافر، التفكير في الانتحار، الاكتئاب، العجز الجنسي، والإدمان.

3. عواقب متنوعة

جميع الإساءات تتسبب في أعراض مشابهه، مثل: 

  • تأخر نمو الطفل.
  • فقدان الثقة بالنفس.
  • الانسحاب الاجتماعي والعزلة.
  • صعوبة في تكوين الصداقات.
  • صعوبة في التعلم.
  • العدوانية الغضب.
  • النفور من المدرسة.
  • التدخين.
  • السمنة.
  • البُخل.
  • إهمال النظافة الشخصية.
  • في بعض الحالات يتحول غضب الأبناء من الآباء إلى الغضب على الرب، ويؤدي إلى الكفر والألحاد. 

كلما تم إدراك هذه الأعراض من قبل الوالدين مبكرًا، والبدء في إدراك السبب ومساعدة الطفل على التعافي، كلما كانت رحلة التعافي من الإساءات الأبوية والأعراض أسهل وأسرع.

12 خطوة للتعافي من الإساءات الأبوية

إذا  لم يعالجك والديك من الإساءات الأبوية، فما زال أمامك الفرصة لتبدأ رحلة التعافي بنفسك، بالطريقة التي تناسبك. لأنها تبدأ منك أنت أولًا ثم من حولك يساعدنك فيها. وتتمثل رحلة التعافي في عدة خطوات وهي:

 1. الاعتراف بما حدث

 أغلب الذين تعرضوا للإساءات الأبوية لم يعترفوا أن سلوكهم خطأ وأنهم مرضى نفسيين، لذلك تسببوا في وجود جيل أخر من المرضى النفسيين وظلم نفسه وظلم غيره. لذلك الاعتراف أن ما بك من ألم وأوجاع بسبب إساءات الطفولة وأنك مسؤول عن التعافي، ويبدأ هذا بالاعتراف وقبول الصدمة حتى تبدأ رحلة التعافي.

2. الوعي أساس التعافي

تبدأ رحلة التعافي من الوقوف على نقاط القوة والضعف في شخصيتك، وتعرف ما الذي يؤذيك من نفسك، ويؤذي غيرك منك؟ وما هي الخطوات كي تغير هذه السلوكيات؟ ومن ممكن أن يساعدك في الفهم الوعي لإدارة مشاعرك؟ 

وكن واضح ومحدد في قوانين شخصيتك وأساسيات التعامل معك والمواقف التي تنزعج منها، حتي تستطيع تحديد ماذا تفعل وتتجنب المواقف المزعجة وحيرة عائلاتك في التعامل معك. ربما تشعر بالإحباطات ولكن عزز نقاط القوة لديك، لأنها تساعدك على التعامل مع نفسك ومع الآخرين. وتذكر دائماً أن إدراك العلة والسعي في علاجها نعمة من الله، لم يدركها الكثير.

 3. ابدأ بالأهم ثم المهم

بعد أن حددت نقاط الضعف، يمكنك تحديد أهم السلوكيات التي ستبدأ في التعافي منها ومعالجتها وتحدث فارق في حياتك، وتحدد خطة محددة للتعافي من هذا السلوك والوسائل المساعدة، ممكن تكون قراءة كتب، حضور دورات توعوية عن النفس، الاستعانة بإخصائي أو صديق.

 في هذه الرحلة ستكتشف بعض  نقاط القوة والضعف التي كنت تغفل عنها وستفهم وتعي للمعالجة والتعافي من سلوكيات أخرى في قائمة التعافي لديك. ولكن المهم أنك تبدأ من السلوكيات الأهم ثم المهمة ثم الأقل أهمية. يمكن أن تكون هذه السلوكيات علاقتك بالله أو التعامل مع ذاتك، عدم الوعي بالطرق والأساليب الصحيحة في التعامل، أو البعد عن مصدر الإساءة والضغط وهكذا…

 4. المعرفة الصحيحة

غالبًا يفتقد الشخص الذي تعرض للإساءة الأبوية المعرفة الصحيحة للدين وطرق التعامل مع الناس والزوجة وتربية الأطفال، الأفضل أن تتبع طرق المعارف الصحيحة لهذه الأشياء من مصدر صحيح موثوق فيه، والكثير من الدورات المجانية على اليوتيوب والمنصات التعليمية ستساعدك في هذا بشكل مجاني. ويوجد كثير من الأخصائيين يمكنهم مساعدتك بالشكل الملائم لك. المهم أن تتواضع لكل معلومة تتعرف عليها وتقبلها وتسعى لتطبيقها.

 5. عبر عن مشاعرك

طرق التعبير عن المشاعر كثيرة، سواء بالكلام أو التمثيل أو الكتابة، المهم تكون بطريقة هادئة لا تؤذي من حولك، وستساعدك هذه الخطوة على تفريغ مشاعرك وعدم الكبت الذي يسبب الغضب والانفجار بعد مدة، والأخصائيين يساعدنك في ذلك.

 6. اعتني بصحتك

التغذية السليمة والتعافي من الأمراض البدنية مهمة في رحلة التعافي، لأنها تمدك بالطاقة للسعي والاستمرار في الرحلة، والتغذية السليمة مهمة لصحتك النفسية أيضًا، فبعض الفواكه والحلوى تزود إفراز هرمون السعادة في الجسم. والاهتمام بالنظافة الشخصية سيمنحك الشعور بالراحة وكل هذا مفيد في رحلتك.

 7. أبعد عن مصدر الإساءة

إذا كان أبويك ما زالوا يمارسون  سلطتهم عليك، تجنبهم قدر الإمكان، وصاحبهم في الدنيا معروفًا. ضع حدود معهم في التدخل في حياتك وشئونك الشخصية، وإذا لاحظت أنهم لا زالوا مستمرين يكفي برهم علي فترات بعيدة في المناسبات ومساعدتهم من بعيد لبعيد أغلب الوقت ولكن لا تتركهم نهائيًا. 

 8. اختر صاحبك بعناية

الكثير من الذين تعرضوا للإساءات الأبوية، سعوا في طرق خاطئة ومن ثم كانت اختيارهم في صُحبتهم خاطئة، منهم المدمنين والمتحرشين والإباحيين ومن لا يعرفون الله أبداً. تعافي من كل هذه الصحبة وقرب إلى من يقربك إلى الحقيقة وإلى الله ويعينك على رحلة التعافي، وسيضعهم الله في طريقك إذا سعيت.

 9. اطلب المساعدة من متخصص

الأفضل في هذا العصر بجانب مجهودك في التعافي، أن تطلب المساعدة من متخصص نفسي أو أسرى و شيخ ثقة، لكي يساعدك في الوعي والفهم وكيفية التعامل مع المشاعر والضغوطات، وحدوث التغيير في صفاتك عن طريق أساليب العلاج النفسي مثل العلاج المعرفي السلوكي، أو التحليل النفسي أو السيكودراما والعلاج الجدلي السلوكي أو العلاج بالتعرض. يمكن أن يكتب لك دواء طبي إذا كانت حالتك تتطلب هذا.

 10. ساعد من حولك

شريك حياتك وأطفالك تأثروا من سلوكياتك في الماضي، وبالتأكيد الإساءات أثرت على علاقتهم بك وحالتهم النفسية، اعتذر عما مضى وحاول أن تساعدهم للتعافي من الإساءات ووجههم لمتخصصين لدعمهم في هذه الرحلة. وأكبر اعتذار لهم أن تتعافي أنت مما يؤذيهم منك.

 11. كن صبورًا

لا تستعجل في النتيجة، خطوة بخطوة سيحدث التغيير المطلوب، لكن عليك الاستعانة بالله وطلب العون منه، ثم امضي في طريقك وسيفتح الله عليك. ولا تجعل الانتكاسات تحبطك من رحلة التعافي، ولكن تأكد أنها طبيعية خاصة في بداية الطريق ومع الوقت ستتحسن ومهما كانت الرحلة شاقة ولكن متعتها أنك تلمس أثرها الطيب في نفسك. وقد وعد الله أن من يجاهد في طريقه سيهديه ويكن معه، اخلص النية وامضي في الرحلة.

قال تعالى “وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)”.

 12. إدراك الحكمة

تيقن أن أي شيء يحدث لنا في الحياة فهو لحكمة يعلمها الله، وبإمكانك معرفة بعضها من التأمل في حياتك وماذا تعلمت، وكيف كان أثر البلاء ورحلة التعافي على نفسك. فالأنبياء ما زادتهم الابتلاءات القاسية إلا رحمة على الآخرين. وأنت أيضًا تأكد أن البلاء ترك فيك أثر طيب ابحث عنه لتتقبله وتسامح المتسببين فيه. 

 لا تكن النسخة الصعبة من أبويك وجاهد أن تتعافى من السلوكيات الخاطئة  التي تعلمتها منهم. وتبدأ رحلة التعافي من الإساءات الأبوية  بالوعي بنفسك والتماس الطرق الصحيحة وطلب الدعم،  ولكن الإساءات ليس عذر لك على سوء تعاملك، لأن الإساءات مسؤولية والديك والتعافي منها مسؤوليتك أنت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *