هوس التريند.. كيف يمكنك اختيار معركتك القادمة؟

عالم اليومِ يتحرك دون توقف، ننتقل من شيءٍ لآخر بسرعة، فأصبحنا نعيش داخل مجموعة من التريندات التي لا تنتهي، لا يكاد يمر اليوم دون حدث جديد.

هل يمكنك تذكر ماذا حدث في نفس الوقت العام الماضي؟ حسنًا، منذ 6 أشهر؟ منذ شهرين؟ رغم أنّك وقتها ربما كنت أحد أكبر المهتمين بالحدث! وهذا جزءٌ رئيسي من “هوس التريند” الذي أصبح يسيطر على الأفراد على مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا ما سوف نتحدث عنه في مقالنا اليوم، وعن كيفية التعامل معه بشكلٍ سليم.

لماذا نشارك في التريند أساسًا؟

للأسف من المساوئ الشديدة لمواقع التواصل الاجتماعي أنّها خلقت نوعًا من الوعي الجمعي للجمهور، والذي يعتمد على المشاركة في جميع الأحداث في البلد بدون استثناء.

فيوميًا نجد العديد من القضايا التي يتكلّم عنها الناس، ولأنّ المشاركة لم تعتمد على أساس قوي، فننسى الأمر وكأنّه لم يحدث، ثم ننتقل سريعًا إلى الأشياء الجديدة وهكذا.

ربما السبب في هذا الأمر هو شعور الإنسان بأنّ عدم مشاركته سيجعله يفقد الظهور بين أصدقائه، فلو كان الجميع يتكلّم، لماذا أسكت أنا؟ بل هذه فرصة جيدة للحديث وإبداء الرأي، وربما أيضًا النقد الذي يجعل البعض يشعر بأنّه في مكانة مميزة.

يمكن أيضًا الاستفادة من التريندات في العمل، ونجد هذا الأمر بكثرة في شركات وأقسام التسويق، حيث هناك سعي دائم لاستغلال أي حدث. إذ تعد التريندات من أهم أنواع المحتوى على مواقع التواصل الاجتماي.

يتبقى جانب آخر للمشاركة، وهو أن الحادثة محل الكلام هي ضمن اهتمامات الشخص فعليًا، وبالتالي فإنّ مشاركته تكون صادقة دفاعًا عمّا يؤمن به حقًا.

مثلًا الحديث عن حادثة تحرش أو النسوية دفاعًا عن حقوق المرأة، الحديث عمّا يحدث في فلسطين دفاعًا عن قضية تخص الأمة الإسلامية، الحديث عن الثورة في سوريا.

الأمثلة تتنوع بالتأكيد، لكن المقصد النهائي منها هو عرض لقضايا مختلفة يهتم بها مجموعة من الأفراد.

لماذا المشاركة في التريند بدون وعي تعد شيئًا سلبيًا؟

الإقدام على فعل أي شيء بدون وعي، يعني أن الإنسان لم يمنح لنفسه الوقت الكافي لدراسة الأمر، وهذا ينطبق بصورة كبيرة جدًا على مسألة المشاركة في التريندات، لا سيّما أن الأمر يحدث بسرعة أيًا يكن الغرض من المشاركة. لعلّك تتساءل: لماذا؟ وأختصر الإجابة في النقاط التالية.

1. انشغال العقل في شيء لا يهمه

كل شخص في الحياة يملك مجموعة من الاهتمامات، بالطبع ليس ضروريًا أن نشترك جميعًا في هذه الاهتمامات، وهذا يعني بالتبعية أن عقلك لا يهتم بكل القضايا التي تحدث. لكن عندما تشارك في جميع التريندات، فأنت تشغل عقلك في هذا الأمر، بينما هو لا يمثل لك أي فارق.

2. المساعدة في شهرة أشخاص لا يستحقون ذلك

حسنًا حدّث ولا حرج في هذا، كم تريند كان سببًا في شهرة أشخاص لا يستحقون؟ ألّا تذكرك تريندات أغلب من يُسموا مؤثرين بذلك؟ يعتمدون على افتعال تريند معين لكسب شهرة غير مستحقة بالمرة.

3. وقت ضائع

يوميًا هناك تريند جديد، والاهتمام الشديد بالمشاركة في كل هذه التريندات يضيّع من وقتٍ كان بالإمكان استغلاله في تطوير الذات مثلًا، أو حتى التعامل مع التريند بصورة أفضل من مجرد المشاركة.

لا سيّما مع كثرة عدد التريندات، فأصبحنا نشعر بأنّ هذا المحور الرئيسي للحياة، مما يجعل البعض ينسون القضايا التي تهمهم بالفعل، أو يخلطون بين الهام وغير الهام.

حسنًا.. كيف يمكنك التعامل مع التريند بشكلٍ واعي؟

إذًا المسألة كلها تعتمد على الوعيّ باختيار التريند، وأن تكون هناك بعض الأشياء التي تفعلها قبل أن تبدأ في معركتك القادمة.

1. لا تندفع للمشاركة

قبل أي شيء، اسأل نفسك سؤالين: هل تهمني هذه القضية؟ هل توجد لديّ النية لأهتم بهذه القضية مستقبلًا؟

فالمسألة أنّ أفكارنا تتغير من وقت للتاني، وبالتالي لن نهتم بالقضايا ذاتها طوال العمر، ومن ثم هناك احتمالية لوجود قضايا أخرى لنؤمن بها، لذلك إمّا يكون الأمر مرتبط بشيءٍ يهمنا حاليًا، أو نشعر بأنّه قد يهمنا مستقبليًا، وكونه ضمن هذين الخيارين يعني أنّ المشاركة هامة.

2. اختيار القضية

كما ذكرت في أكثر من فقرة فنحن لا تهمنا نفس القضايا، والأمر يعود في الأساس إلى المرجعية الخاصة بكل منّا، وبالمبادئ والقيم التي نؤمن بها، لذلك فمن الضروري أن ندرك بأي مبدأٍ ترتبط هذه القضية قبل المشاركة؟ وبناءً على ذلك تحديد الشكل الأمثل للمشاركة.

3. اقرأ

ليس ضروريًا أن تكون المشاركة بالكتابة والحديث، ولكن هناك شيء آخر تفعله وهو بالقراءة وزيادة المعرفة عن القضايا.

فكثيرًا ما يتجدد الحديث عن القضية الفلسطينية من وقتٍ لآخر، لكن هل جميعنا يعرف أصل الحكاية؟ ليس عيبًا أن تكون الإجابة لا، ولكن العيب أن نظل على نفس الموقف وألّا نسعى للمعرفة، فلعلّ هذه المعرفة هي ما يجعل اهتمامنا بالقضية مستقبلًا يأخذ الشكل المناسب لخدمتها.

4. راجع مبادئك

في الحقيقة هذه من الأشياء الهامة، فنحن في اختبارات دائمة في الحياة، وليس المطلوب منّا أن نحكم على الأفراد عند فعلهم لأي شيءٍ نراه خاطئًا لا يتفق مع مبادئنا، فالحكم لن يفيدنا في شيء على الإطلاق، بل علينا أن نستغل هذه الأحداث في مراجعة مبادئنا جيدًا والدعاء بالثبات عليها.

مثلًا قامت الدنيا ولم تقعد عند إعلان فنانة ما أو شخصية مشهورة عن خلع الحجاب، في حين أنّ كل ما نحتاج إليه في هذه الحالة هو أن نقيّم ذاتنا فقط، ونركز على كيفية التعامل مع الاختبارات في المستقبل، دون أن نطلق أي أحكام على الآخرين.

ربما لا تشعور بخطورة الأمر الآن، لكنّك في لحظةٍ ما ستجد نفسك تتساءل عن الجدوى من كل ما فعلته في الماضي، عمرك الذي استغرقته في أشياءٍ لا تهمك، بينما كان بالإمكان أن تصنع شيئًا مميزًا لحياتك، وبالتالي أتمنى أن تبدأ من الآن، فكّر جيدًا في كل ما تحدثنا عنه، وإيّاك وأن يتحكم بك “هوس التريند” الجديد، بل حاول من الآن أن تعمل جاهدًا على اختيار معركتك القادمة بوعيّ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *