انتشرت من فترة تقارير حول ما يجنيه المطربون الشعبيون من قنواتهم على اليوتيوب. كان النموذج الأكثر انتشارًا وقتها هو تقرير ما يجنيه المطرب الشعبي “حسن شاكوش” من أرباح قناته على اليوتيوب، إذ تخطت هذه الأرقام آلافات الجنيهات.
ربما تساءلت في هذه اللحظة عند مشاهدتك لهذه الأرقام عن مصيرك المستقبلي، وإن كان بالإمكان أن تجني هذا المبلغ، لا في شهرٍ واحد، بل في مسيرتك المهنية خلال أعوام كثيرة، ربما قادك هذا إلى التفكير في جدوى ما تفعله من الأساس.
فإن كان حسن شاكوش يجني هذه المبالغ، لماذا لا نترك ما نفعله ونلتحق بهذا المجال؟
ماذا تعني هذه الشهرة بالضبط؟
لا أعرف هل الصدمة في مسألة حسن شاكوش ترتبط بشخصه في المقام الأول، أم ترتبط بالمبدأ العام بأنّ هناك من يمتهن الغناء الشعبي ويحقق كل هذه الأرباح.
فالحالة الأولى المتعلّقة بشخص حسن شاكوش مثلًا، هي في الواقع لا ترتبط به أساسًا، ولكنّها تدور حول من يستمعون إليه، فبدون هذه الأرقام التي نراها على فيديوهاته كمشاهدات، لن يجنِ هو أي شيء، فإن كانت الأرقام عالية وتتضاعف، فهذا لأننا نستمتع إليه، لا يوجد أي تفسير آخر.
أمّا الحالة الثانية المرتبطة بالمبدأ العام، فالأمر يجعلنا نتساءل، ماذا عن لاعبي الكرة؟ عن المغنيين الآخرين بعيدًا عن المجال الشعبي؟ عن الممثلين؟ عن غيرهم ممن يرتبط عملهم الأساسي بصناعة الترفيه، لكنّهم رغم ذلك يحصلون على الملايين.
على المستوى الشخصي أنا أحب حسن شاكوش وأحب حمو بيكا أيضًا كنموذج آخر، ولا أجد أي مشكلة في الاستماع لهما، بل وأرى أن مسألة الرزق هي في النهاية لا تخصنا كأشخاص، وأن التذوق هو شيء خاص بكل فرد، لا نملك حق الوصاية عليه كجمهور.
لكنني أيضًا، وهي المسألة الأكثر أهمية، أضع الأمور في نصابها الصحيح، وأدرك جيدًا بأنّ الشهرة التي حصل عليها هؤلاء تتلخّص في كونِهم “مغنيون شعبيون”، هذا الأمر لن يُمحى في جميع الأحوال، فنحن هنا نذكر حقيقة ترتبط بهم ارتباطًا وثيقًا في هويتهم.
حسن شاكوش وحمو بيكا.. هل يعبّرون عن الواقع؟
هل يمكن لنا القول أن وجود حسن شاكوش أو حمو بيكا أو غيرهما يمثل تجسيد للواقع الذي نحياه حاليًا؟ هل يمكن القول أنهما يقدمان محتوى يذكر بعضًا من المشاكل التي نجهلها نحن عن طبقات في المجتمع في أماكن لا نصل إليها!
في الحقيقة إن السؤال الذي طرحته لا أهدف من خلاله إلى الإجابة، لكنني كمتابع لصعود حمو بيكا مثلًا، أجده لم يحظى بانتشار من خلال وسائل الإعلام، بل من خلال فيديوهات اليوتيوب في البداية وتحديدًا مهرجان “عالم فاسد”، وعندما لمع نجمه بدأ يظهر في اللقاءات والحوارات الصحفية، وجنى أصحابها أموالًا من تقديمهم لمواضيع يعرفون أن الناس سوف يتابعونها بالتأكيد، لأننا نعرف بأنّ الإعلام في مصر يهتم بـ”التريند” أولًا، بما يمنحه “ترافيك” جيد لموقعه فيحقق أرباحًا من هذا الأمر.
لذلك سيبقى السؤال غير معلوم الإجابة حتى وإن حاولنا حسمه في رأيي، ستبقى المعلومة الأكيدة هي أنّ هؤلاء نجحوا في جعل أسمائهم قريبة من الأذهان، يقدمون لنا تصورًا عن كيفية صناعة الهوية الشخصية، سواءً وسط الفئة المستهدفة، أو في المجتمع ككل.
لماذا لا نفعل مثلهم؟
شهرة وانتشار بشكل ممتاز، أموال لا حصر لها.. حسنًا، لماذا لا نفعل مثلهم؟
لا أعتقد أنّ هناك ما يمنع أن تفعل ذلك الآن يا صديقي، يمكنك أن تبدأ في كتابة أولى أغانيك الشعبية ثم تقوم بتلحينها وغنائها، ربما تعمل على تكوين فريق متكامل ليساعدك في هذا الأمر، نحن نتحدث هنا عن ربحٍ يمكن توزيعه على الجميع وبأرقام ممتازة قد لا نجنيها من عملنا ولو بعد سنوات.
لكن سيكون عليك الإجابة على سؤالين في هذه الحالة:
الأول: هل ستكون قادرًا على التسويق لمنتجك مثل هؤلاء؟ فنحن نقول دائمًا أن من يكتب أي كلمات يمكنه بيعها للجمهور هذه الأيام!
لكن ماذا عن اختبار هذه الفرضية وتحويلها إلى الواقع؟ هذا يجعلك تفكر كثيرًا في الأمر وفي قدرتك على فعله!
الثاني: وهو السؤال الأهم، لكنني تعمدت وضعه ثانيًا، وسأجيبه بافتراض أنّك قادر على الإجابة على السؤال الأول، أي أننا الآن أمام منتج جاهز يمكن تقديمه للجمهور وتسويقه بشكل جيد.
السؤال هو: هل هذا ما نريده فعلًا؟ ذكرت في الفقرة الأولى أنّ هذا المغني الشعبي سيُعرف عنه أنه مغني شعبي، ولاعب الكرة ستظل شهرته مرتبطة بلعبة، والممثل لن يذكره الناس إلّا بكونه هكذا!
فإن كان ما نريده هو الشهرة، أيًا يكن مصدرها، فلتبدأ اليوم في الاتّجاه الجديد وكتابة الأغاني الشعبية أو أي شيء آخر سيحقق لك الأمر!
لماذا نتعلّم؟
قد تتساءل عن جدوى كل ما قمت بكتابته حتى الآن، ولكن السؤال الذي طرحته في مقدمة مقالي عن ترك ما نفعله والالتحاق بمجال الغناء الشعبي هو موضوع هام جدًا، لأنّ هذا يسبب للكثير حالة من التشوش والضبابية بخصوص ما يفعلونه، فكأنّه بلا فائدة نتيجة لما يرونه في المجتمع، فتبدأ دعوات كثيرة في الانتشار عن عبثية التعليم وأنّ تلك الشهادات التي نسعى إلى الحصول عليها هي بلا قيمة تذكر، فلماذا نتعب أنفسنا في الدراسة، وفي النهاية يمكننا أن نفعل مثل حسن شاكوش؟
في الحقيقة نحن نتعلّم لأننا نؤمن بقيمة العلم في ذاته، ولأنّه سوف يمنحنا مكانة معينة في المجتمع، لا نقصد بها التفاخر، ولكن نهدف من خلالها إلى أن نكون أشخاص ذوي عمل نافع في الحياة، يجب أن نقف مع أنفسنا ونتذكر أن الجدوى من الحياة ليست في تحقيق الأموال، بالتأكيد وجودها ضروري ومهم، ولا أحد يكره أن يجد في حوزته الملايين، لكنّها ليست الغاية، الشهرة كذلك ليست غاية، وجودنا كأشخاص يرتبط برسالةٍ معينة أتينا إلى الدنيا من أجل أن نؤديها.
إن كنت تبحث عن الشهرة والمال، ولا يعنيك أن يرتبط أي لقب بك، إذًا يمكنك أن تبدأ في مجالٍ يحقق لك ذلك، أمّا إن كنت تفكر أن وجودك ليس عبثيّ وأنّك مكلف بأداء دورٍ معين في الحياة، فأنت على الطريق الصحيح يا صديقي، لا تدع أي شيء يؤثر عليك أو على فكرك وقناعتك بما تفعل، حتى وإن كانت ملايين يجنيها أحدهم، لأنّك صدقني لا تملك توزيع الأرزاق، لكنّك تملك الإيمان بالسعي نحو أهدافك، ومعرفتك بأنّ الرزق لا يتمثل في المال فقط، وأنّ أثرًا بسيطًا تتركه في الدنيا لهو خيرٌ من امتلاكك الأرض وما عليها.