كل ما تحتاج إلى معرفته عن الرهاب الاجتماعي

تلقى أحمد اتصالًا من صديقه، يدعوه من خلاله لحضور حفل زفاف أخته المقرر إقامته الأسبوع المقبل. اضطرب أحمد قليلًا عند سماع الدعوة، لكنه سرعان ما حاول أن يخفي اضطرابه هذا؛ فابتسم مخبرًا صديقه بالموافقة على الحضور.

أنهى أحمد مكالمته وما إن وضع سماعة الهاتف حتى انهالت عليه العديد من الأسئلة والأفكار المخيفة حول الذهاب، فبدأ يسأل نفسه: “هل حقًا سيستطيع التواجد في حفل الزفاف هذا؟ كيف سيتفاعل مع الأشخاص المتواجدين هناك؟ ماذا إن لم يستطع التواصل جيدًا مع الآخرين، فكيف ستكون هيئته أمامهم؟ وغيرها من الأسئلة اللانهائية، التي كادت أن تفتك برأسه فتكًا من كثرة التفكير.

إن ما يعانيه أحمد يسمى باضطراب الرهاب الاجتماعي، ونظرًا لخطورته نقدم هذا المقال حتى يكون دليلًا معينًا لجميع مصابيه والدارسين النفسيين له، للتعرف على طبيعة هذا المرض وكشف أسراره وتعلم الطرق الصحيحة في التعامل معه.

ما هو الرهاب الاجتماعي؟

الرهاب الاجتماعي هو نوع من الاضطرابات النفسية، الذي يجعل الفرد في حالة قلق غير طبيعي بشكل دائم، تجاه المواقف الاجتماعية اليومية حتى وإن كانت بسيطة. فمن الطبيعي لأي فرد أن يتكون لديه شيئًا من القلق إن كان عليه مواجهة بعض المواقف الصعبة كالذهاب لمقابلة شخصية، حضور اجتماع عمل، أو التقدم لطلب إحدى الفتيات للزواج.

لكن في حالة مريض الرهاب الاجتماعي، هو يخاف ويقلق من أي شيىء يخص مواجهة الناس، فهو يُعذَّب مع بداية كل يوم جديد، يحمل هم التواصل مع غيره ويفكر في كل ما يقوم به آلف مرة؛ خوفًا من التعرض لأي استهزاء أو نظرات غير هينة.

ذلك لأن لديه اهتمام وخوف كبير من آراء وكلام ونظرة الناس إليه، بشكل يجعله يراقب ذاته بحدة في أثناء تواجده معهم؛ خوفًا من أن يقع في أي خطأ، فيقوم أحدهم بانتقاده نقدًا يعتقد المصاب بأن ذلك لا يجوز وغير مقبول، بسبب امتلاكه حساسية شديدة تجاه فكرة النقد، أو عدم قبول الآخرين إليه.

3 مستويات لمعاناة مرضى الرهاب الاجتماعي 

نظرًا لما يصيب هؤلاء المرضى من قلق وتفكير شديدين، تجاه تعاملهم مع البشر، ولا يجدون سهولة في  الاندماج بأريحية معهم، فإن ذلك يسبب لهم العديد من المشكلات على مختلف المستويات.

1. المستوى الاجتماعي

لا يستطيع مريض الرهاب الاجتماعي تكوين علاقات أو صداقات مع أناس آخرين غير أسرته، وبالتالي لا يمتلك أوساطًا مختلفة من الأشخاص، ليندمج معهم أو يعبر عن نفسه بينهم. كثيرًا ما يتعرض أيضًا لمواقف محرجة وسط الآخرين، مما يؤدي به إلى الشعور بالخزيان من نفسه والابتعاد أكثر عمن حوله.

2. المستوى العملي

نجد الفرد غير قادر على تطوير مهاراته بشكل كاف أو الحصول على ترقية وظيفية، ذلك لأن التطور والارتقاء في العمل يتطلبان أن يتمالك الفرد أعصابه ويتحكم في قلقه، ويتعلم كيفية إدارة ذاته في المواقف العملية المختلفة.

3. المستوى النفسي والشعوري

يعيش المصاب حالة من الغربة الدائمة، مع الإحساس بالتشويش، وكأنه لا يتصل بالعالم الخارجي؛ نظرًا لفقدانه القدرة على السيطرة على قلقه، مما يجعله يصل أحيانًا لمرحلة يفقد فيها ذاته ولا يعرفها ولا يكون فاهمًا لها، فيختار اختيارات لا تليق به ولا تريحه، أو يحيا حياة لا يريدها ولا يستطيع الانسجام معها.

يتسبب الرهاب في تكوين العديد من الأمراض والعقد النفسية للفرد مثل:

  • الاكتئاب.
  • الوسواس القهري.
  • ضعف تقدير الذات.
  • فقدان الثقة بالنفس.

4 أسباب تؤدي لحدوث اضطراب القلق الاجتماعي

تختلف الأسباب والعوامل المؤدية لحدوث هذا القلق فمنها:

1. العوامل الجينية الوراثية

من الممكن أن يصاب الفرد باضطراب الرهاب الاجتماعي، إذا كان لدى أقاربه من الدرجات الأولى والثانية شيئًا من هذا الاضطراب أيضًا.

2. العوامل البيئية والتنشئة الاجتماعية

قد تؤدي سلوكيات الأبوين والأفراد الذين ينشأ الطفل بينهم إلى تنشئة هذا المرض لديه، مثل أن يقوم الأبوان بتربية الابن بطريقة عنيفة، لا تحمل شيئًا من العاطفة، أو وجود حماية زائدة تجاه الابن والخوف عليه، أو أن تبدو على سلوكياتهم القلق والخوف الدائم من نظرات وآراء الآخرين.

كل تلك السلوكيات إذا تربى الطفل عليها فحتمًا تؤدي به للإصابة بهذا الاضطراب، إلى أن يصير جزءً متأصلًا من شخصيته.

3- عوامل خاصة بتركيب وبنية الدماغ

توجد في دماغ الإنسان منطقة تسمى باللوزة، وهي المسئولة عن التحكم في شعور الخوف، فإذا زاد نشاطها عن غير الطبيعي، يتولد القلق بشكل مبالغ فيه للإنسان، بما لا يجعله يتحكم في نفسه أثناء مواجهة المواقف الاجتماعية المختلفة.

4. التعرض لتجارب مؤلمة

كثرة التعرض لمواقف تحتوي على التنمر والسخرية، أو المرور بأحداث حياتية صعبة قد يجعل بعض الأشخاص ينغلقون على أنفسهم بصورة كبيرة، ولا يستطيعون بعدها التعامل مع غيرهم من الأشخاص بشكل طبيعي وسلس.  

أعراض الرهاب الاجتماعي

تظهر لدى مصابي الرهاب الاجتماعي عدة أعراض جسمانية وسلوكية.

الأعراض الجسدية

  • التعرق الزائد.
  • حكة اليدين باستمرار أو عند التحدث إلى أشخاص.
  • النظر لأسفل.
  • التنفس بصعوبة.
  • احمرار الوجه.
  • الصداع من كثرة التفكير والتركيز والخوف الراسخ في رأسه.
  • الارتعاش.
  • الإحساس بالألم في بعض المناطق كالمعدة والرأس.
  • زيادة ضربات القلب.
  • الشعور بالدوار.

الأعراض السلوكية

  • تجنب النظر مباشرة في عيون الآخرين.
  • المشي سريعًا إذا كان بجواره أشخاص.
  • الخوف من التحدث أمام الآخرين.
  • القلق والتوتر الدائمين قبل حدوث أي موقف.
  • كثرة التفكير.
  • الجلوس وحيدًا.
  • عدم الرغبة في المشاركة في أية أنشطة اجتماعية.
  • تذكر المواقف المحرجة وجلد ذاته عليها. 
  • التفكير في المواقف قبل أن تحدث بمدة.

طرق العلاج من الرهاب الاجتماعي

إذا استمرت تلك الأعراض التي ذكرناها لدى الشخص مدة 6 أشهر، وزادت عن ذلك، فيجب اللجوء لمختص نفسي يساعد المريض على العلاج والخروج من هذه الأزمة. وهنا نجد عدة علاجات يستطيع الطبيب تطبيقها مع المريض:

1. العلاج المعرفي السلوكي

أن يقوم الطبيب بالتحدث مع المريض، ومناقشة كافة الأفكار السلبية التي تؤلمه، وتحويلها إلى أفكار أكثر واقعية و إيجابية، ليتفهم بأن العالم الخارجي ليس بالصورة البشعة والمخيفة الموجودة في خياله. يحاول الطبيب أيضًا تعريض المريض للمواقف الصعبة التي تؤلمه ولكن بشكل تدريجي، حتى يتعلم ويتدرب على مواجهتها وعدم الخوف أو الهروب منها.

2. العلاج بتناول أدوية مضادة للاكتئاب

يقوم الطبيب بوصف عدة أدوية للمريض، ترفع من نسبة هرمون السيرتونين في الدماغ، ذلك الهرمون المسؤل عن التقليل من الإحساس بالقلق والتوتر لدى المريض.

3. العلاج وسط مجموعة Therapy Group

من الأمور المساعدة أيضًا في العلاج، أن يجلس المريض وسط أناس يمرون بنفس حالته، ويحاول أن يتحدث معهم. يفيده هذا في تقليل توتره في الشعور بأنه ليس الوحيد المصاب بهذا المرض، ومن ثم يستطيع التحدث بأريحية بينهم، لأنهم سيتفهمون قلقه وتلعثمه في الكلام، ولن يكون مضطرًا لأن يجمل نفسه أمامهم.

7 سلوكيات عملية عليك القيام بها للتخفيف من معاناتك مع المرض

1. ناقش أفكاراك السلبية

أحضر ورقة وقلمًا، ودون كل فكرة سلبية تأتي لك، وناقشها.

مثلًا، إذا أُخبرت بأن عليك القيام لعمل عرض أو Presentation في العمل خلال الأسبوع المقبل، ستأتي إليك أفكار مثل (أنك ستتلعثم في الكلام، لن تستطيع الاستمرار في المحادثة، ستصاب بالتعرق، سيضحكون عليك)، وغيرها من الأفكار.

بعد كتابة هذه الأفكار، حاول أن تناقشها بشكل أكثر واقعية وقل لنفسك:

  • – سأتدرب جيدا قبل الذهاب.
  • – الناس ليسوا منتبهين إلي بالشكل الكامل الذي يجعلهم يلتفتوا لأي خطأ يصدر مني.
  • من الممكن إن توترت أن يتفهموا ذلك التوتر لأنه قد يمر بأي شخص طبيعي وليس أنا فقط.

2. واجه المواقف

حاول شيئًا فشيئًا تمالك أعصابك، وتقوم بمواجهة كل موقف يقابلك، فيكسبك ذلك الشجاعة، ويجعلك أكثر هدوءً عند التعرض لأية مواقف مشابهة في المرات المقبلة.

3. اهتم بعمل تمارين رياضية

مارس تمارين رياضية مختلفة، تساعدك على الاسترخاء و إراحة أعصابك، وتنظم لديك عملية التنفس ودخول الأكسجين إلى سائر أعضاء جسدك.

4. اقرأ عن المرض

ثقّف نفسك وحاول معرفة المزيد عن المرض، حتى تكتشف ذاتك، وتعرف كيف تتصرف تجاه كل فكرة أو شعور غريب ينتابك.

5. نظم مواعيد نومك وطعامك

سيساعدك تنظيم مواعيد نومك وطعامك على تهدئة أعصابك، ومنحك الطاقة والقدرة اللازمتين لك، فتستطيع مواجهة ما تراه صعبًا في المواقف المختلفة.

6- ركز على الآخرين لا على نفسك

حينما تكون متواجدًا وسط تجمع من الأشخاص، فإنك دائمًا ما تكون مراقبًا لذاتك بشكل شديد؛ اعتقادًا منك أن ذلك سيحميك من الوقوع في أي ذلل، لكن الحقيقة أن ذلك التصرف سيزيد من قلقك.

لذا أنصحك هنا أن تقوم بتوجيه انتباهك لما حولك من الأشياء والأشخاص، وأن تنصت للأفكار التي تقال بالفعل لا للأفكار السلبية الوهمية التي تدور في مخيلتك، حتى تنصرف عن التركيز على نفسك ومشاكلها، وتتمكن من التركيز فيما يحدث حولك.

حينما تقوم بذلك ستبدأ في فهم ما يقولونه الناس حولك، وتعرف أكثر عن الموضوعات التي يتحدثون فيها، فيساعدك ذلك على المشاركة معهم قليلًا والتعود على التحدث مع الآخرين بعد ذلك.

7. لا تسع للمثالية

تقبل دائمًا أننا بشر وأننا جبلنا على أن نخطىء، لذا فهو أمر طبيعي ومقبول. فلا تجلد ذاتك بشدة إذا أخطأت، ولا تقول لنفسك إن الناس سيظلون متذكرين لي هذا الخطأ.

 لا يا عزيزي، الناس بمجرد انتهاء الموقف يبدأ كل منهم في التفكير في شئون حياته، فلا أحد يملك الوقت أو الاهتمام لأن يظل متذكرًا لأخطائك.

لذا اهدأ ولا تحمل على نفسك ضغطًا، بأنه يجب عليك أن تكون الأفضل في كل شيء في أي تعامل لك مع أحد، وأعطِ لنفسك حقها في أن تخطىء وتتعلم، دون الشعور بحرج أو تعنيفها بشكل مبالغ فيه. 

 هذه عدة فيديوهات لأناس يرون قصصهم وتجربتهم المريرة مع ذلك المرض، يمكنك مشاهدتها والاستفادة مما يقولونه في مواجهة مرضك.

1. قصة المغنية بلقيس فتحي مع الرهاب الاجتماعي، وكيف أن العلاج ساهم في إعادة ثقتها بنفسها ومواصلة تحقيق حلمها.

2. صاحب قناة اليوتيوب (فارماستان) يروي قصته ومعاناته مع المرض.

3. مريضة بالرهاب الاجتماعي تذهب إلى مختصة نفسية فتبدأ معها الطبيبة بسؤالها عدة أسئلة ضمن جلسة العلاج السلوكي المعرفي.

في النهاية أنصحك أن تقوم بتنفيذ كل التعليمات التي قرأتها، وابدأ بالفعل في مساعدة نفسك على التخلص من هذا الوحش الساكن بداخلك. خذ وقتك في العلاج ولا تلزم نفسك بتاريخ معين يجب عليك التخلص فيه من هذا المرض. أمهل نفسك فرصة وقم بعمل كل ما عليك فعله، وبالتأكيد ستصل لما يرضيك وتنجح في التغلب على كل ما يقلقك.

شاركنا : هل أعجبك المقال؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *