تقف على شاطئ إحدى البحار لتلقي بزجاجة تحتضن رسالتها، فتحملها أمواج البحر إلى المجهول. تطلق تنهيدة تودع بها مشاعرها المخبئة في طيات الرسالة، ذاك المشهد الذي اعتدنا على مشاهدته في العديد من الأعمال الدرامية، الذي غالبًا ما يعقبه تحول إيجابي في شخصية بطل أو بطلة القصة.
لكن هل يقتصر الأمر على الدراما فقط؟ وهل تفريغ المشاعر من خلال الكتابة في مثل هذه المشاهد مجرد حبكة درامية، يمهد بها كاتب النص للتحول الإيجابي الذي ستشهده شخصية البطل؟ الإجابة لا، فالكتابة في حقيقة الأمر تعد أحد أنواع العلاجات المستخدمة للتغلب على ضغوطات الحياة، وطريقة علمية مجربة لعلاج الكثير من الأمراض ذات الأصل النفسي.
ما هي الكتابة للتعافي؟
تُعرّف الكتابة للتعافي أو كما يطلق عليها Writing therapy أو journal therapy، استخدام الكاتبة -كأحد أساليب العلاج النفسي- لتنحية المتاعب وإعادة التوازن لصحتك النفسية والبدنية.
ولا تحتاج الكتابة للتعافي إلى الأفكار الملهمة، ولا تشترط أن تكون مثقفًا أو كاتبًا أو مؤلفًا. بل يكفيك أن تمسك بالقلم أو لوحة المفاتيح، لتكتب بضع كلمات أو جمل ولو بشكل فوضوي، دون ترتيب أو استعراض للثراء اللغوي أو الحاجة لتدقيق أو مراجعة. فقط أسقط فوضى أفكارك لتكتب ما تشعر به فعليًا، وليس ما يجب عليك أن تشعر به.
فوائد الكتابة للتعافي
تتميز الكتابة كأسلوب علاجي بأنها أحد أنواع التدخل المفيد ومنخفضة التكلفة، الذي يمكن القيام به في أي وقت وأي مكان. عندما تلقي ما يثقل نفسك على الورق، فإنه يمكنك البوح بأسرار قد لا تستطيع التفوه بها لأي شخص، مع منحك كامل الحرية في تمزيق الورق أو إعادة قراءته. ذلك بالإضافة إلى ما أثبته الدراسات من فوائد عظيمة للأسلوب العلاجي بالكتابة، سواء من ناحية تخفيف الضغوط النفسية أو الجسدية أيضًا.
1. فوائد الكتابة نفسيًا
تساعدنا الكتابة على تخطي أغلب أزماتنا التي نمر بها، لأن الكتابة عن أي موقف صعب مررنا به، أو عن الأشياء التي تؤلمنا، أو حتى نقاط ضعفنا؛ يمنحنا فرصة لفهم أنفسنا بطريقة أفضل، وبالتالي يساعدنا على التعامل مع المواقف بطريقة أفضل.
كما أن الاختلاء بنفسك للكتابة، سواء لكتابة تجاربك السيئة ورواية أحزانك، أو مشاركة لحظاتك السعيدة والتخطيط لمستقبلك، لهو بمثابة جلسة علاج نفسي، تتخلص خلالها من كل ما يختلج صدرك.
2. فوائد الكتابة جسديًا
في عام 1986، توصل عالم النفس الشهير جيمس بينبيكر إلى العلاج باستخدام الكتابة ليصبح أحد العلاجات النفسية الجديدة المبتكرة والملهمة.
في أعقاب ذلك بدأ علم النفس في دراسة العلاقة بين “الكتابة العلاجية وعمل الجهاز المناعي”، فاكتشف تأثير العلاقة الإيجابي على حالات صحية بدنية عديدة، مثل انقطاع النفس في أثناء النوم، والربو، والصداع النصفي، والتهاب المفاصل الروماتويدي، والإيدز، والسرطان.
ففي دراسة أجريت في ولاية كانساس الأمريكية، عن مريضات سرطان الثدي اللاتي يخضعن للعلاج، أوضحت النتائج أن كتابة المريضات عن تجاربهن ورحلة العلاج، قد أسهم بشكل كبير في تخفيف حدة الأعراض الجانبية للمرض.
كما أظهرت العديد من الدراسات تأثير فعل الكتابة من تخفيف حدة أعراض التوتر والقلق والاكتئاب، وبطبيعة الحال تقليل الأمراض الجسدية الناتجة عن تلك الاضطرابات النفسية كأمراض القولون وغيرها.
طرق الكتابة للتعافي
كما سبق القول فإن الكتابة كفعل في حد ذاته دون تنميق أو ترتيب، يساعدنا على الفضفضة والاستشفاء مما يختلج بصدورنا. توجد العديد من الطرق التي تساعدك على بدء الكتابة كأسلوب علاجي، فإذا كنت تخطط لممارسة الكتابة للتعافي بنفسك، إليك 3 طرق يمكنك تجربتها:
1. كتابة اليوميات
تعد كتابة اليوميات من أقدم وأبسط أشكال المساعدة الذاتية. كل ما تحتاج إليه هو الاحتفاظ بدفتر أو مذكرات شخصية، تدون من خلالها ما تتعرض إليه على مدار اليوم من مواقف أو أحدث إيجابية كانت أو سلبية، دون الحاجة إلى الالتزام بوقت أو مكان ما.
2. الكتابة الحرة
اكتب كل ما يرد على ذهنك من أفكار ومشاعر، بشكل عشوائي وبدون أي تسلسل منطقي، كالكتابة عن هواجسك ومخاوفك مثلًا.
3. كتابة الرسائل
اكتب رسائل إلى الأشخاص، مثل: أفراد عائلتك، أصدقائك، جيرانك، أو حتى العابرين في حياتك. اكتب لمن حولك، ولمن رحلوا، لمن تسببوا لك في أذى، ولمن ساعدوك على تطييب جراجك. اكتب لنفسك، للشخص الذي كنت عليه، ولشخصك الآن وفي المستقبل. اكتب للأشياء من حولك كمرآتك، قميصك المفضل، فنجان قهوتك الذي يحتويك، …إلخ.
مما سبق يتضح لنا أن الكتابة وسيلة فعالة للتخفيف من الضغوط النفسية وتفريغ الشحنات السلبية. قد يصعب عليك أن تخطوا خطواتك الأولى في اكتساب هذه العادة الجديدة، لكن تذكر أن الخطوة الأولى هي الأصعب دائمًا، وأنك بمجرد أن تبدأ، ستنهال أفكارك وستشعر بالتحسن بشكل يلبي توقعاتك.
أخيرًا فإننا جميعًا ما نمر بأوقات عصيبة، وكثيرًا ما نشعر بالإحباط والإجهاد، ونكافح من أجل العودة إلى توازنا مرة أخرى. قد تختلف طرقنا وأساليبنا، لكن الأهم أن نعود إلى أنفسنا وحياتنا متخطين كافة الصعوبات والأوجاع. فإذ لمست أنك لست بخير لا تتردد أبدًا في طلب الدعم والمساعدة من المحيطين بك أو المختصين، واحرص على ممارسة الكتابة للتعافي باستمرار.
الروشتة الذهبية “فإذا لمست أنك لست بخير لا تتردد أبدًا في طلب الدعم والمساعدة من المحيطين بك أو المختصين، واحرص على ممارسة الكتابة للتعافي باستمرار”
فقرة عظيمة لن يفهمها إلا من عاشها
بصراحة مقال رائع يجمع بين عظمة الأفكار مع بساطة الطرح، دام التألق والإبداع